دروغبا: أسطورة كروية أوقفت الحرب بقدم وصرخة أمل


دروغبا: أسطورة كروية أوقفت الحرب بقدم وصرخة أمل

     ملعب صغير... وقصة كبيرة  

في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2005، شهد ملعب المريخ في أم درمان بالسودان حدثًا لم يكن عادي. بالرغم أن هذا الملعب لا يُعد أحد أعظم  ملاعب كرة القدم، إلا أنه كان في ذلك اليوم مسرحًا لأعظم قصة إنسانية جمعت بين كرة القدم، والانسانية، والوطن. في ظل حرب أهلية طاحنة في ساحل العاج (الكوت ديفوار)، وبينما الأمل كان يتلاشى، جاءت هذه اللحظة التي غيرت مصير أمة بأكملها.

بين الامل و الترقب: لحظات قبل المباراة

منتخب الكوت ديفوار لسنة 2005  يحمل فيه دروغبا شارة القائد

في ذلك الوقت، كانت ساحل العاج غارقة في أتون حرب أهلية طاحنة نشبت منذ عام 2002. البلاد كانت مقسمة بين الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة، والشمال الذي تسيطر عليه قوات التمرد. الشعب في ساحل العاج كان يعيش في حالة من اليأس والانقسام، حيث تمزق الوطن وتفككت الروابط الأسرية، كان المستقبل يبدو حالكا ولا بصيص أمل يلوح في الأفق. في هذا المأزق المضطرب، جاءت هذه المباراة لكرة القدم كفرصة لتوحيد الأمة ولو للحظات.

    جيل كروي ذهبي: لما كانت الأقدار تنتظر في السودان 

على أرض الملعب في أم درمان، كان هذا الجيل الذهبي لساحل العاج يقف مستعدًا لصناعة التاريخ. الفريق كان يقوده النجم العالمي ديديه دروغبا، الذي لعب دورًا مهما و أساسيا في وصول المنتخب الوطني إلى هذه اللحظة، الهدف كان واضحًا؛ الفوز على منتخب السودان يضمن تأهل الفريق إلى كأس العالم لأول مرة في تاريخ البلاد. بل لم يكن الفوز مجرد تذكرة إلى البطولة العالمية، بل كان يمثل بارقة أمل لشعب تمزقه الانقسامات والحروب.

  عندما توقف الزمن في القاهرة وأم درمان 

اللاعب الكامروني  بيير وومي الذي اضاع ضربة الجزاء ضد مصر ومنح تأشيرة عبور لمنتخب ساحل العاج الى كاس العالم 2006

عندما كان المنتخب الإيفواري يخوض معركته في السودان، كان المنتخب الكاميروني يواجه مصر في القاهرة. المباراة كانت حاسمة لكلا الفريقين، لكن كل قلوب الشعب الإيفواري كانت معلقة بنتيجة المباراة الأخرى. في اللحظات الأخيرة، تحصلت الكاميرون على ضربة جزاء، صمت الجميع في ساحل العاج، وتوقفت الأنفاس. لكن الحظ لم يحالف الكاميرونيين، حيث ضاعت عليهم الفرصة، وبذلك تأهلت ساحل العاج إلى كأس العالم، كانت تلك اللحظة بمثابة انتصار للروح الوطنية و ليس في كرة القدم فقط.

  خطاب دروغبا الذي هز القلوب يصنع المعجزة 

لكن الحدث الأبرز لم يكن فقط التأهل إلى كأس العالم، بل ما وقع بعد المباراة في غرفة ملابس اللاعبين. ديديه دروغبا، الذي كان يدرك جيدا أهمية اللحظة، خاطب شعبه برسالة مؤثرة، دعا كل زملاءه إلى الانضمام إليه في صلاة جماعية، ثم وجه نداءً إلى الأمة أجمع  قائلاً: "أثبتنا اليوم أن بإمكان العاجيين أن يتوحدوا من أجل هدف مشترك. نطلب منكم جميعًا، من الأطراف المتحاربة، أن تلقوا أسلحتكم وتوقفوا القتال". كانت هذه الكلمات بمثابة صرخة أمل، أثارت صدى كبير بين الإيفواريين.

 أفراح كرة القدم:  حينما تختفي الفوارق ولو للحظة 

دروغبا بعد المباراة التي اجريت في مدينة بواكي معقل المتمردين

بالرغم  من أن دعوة ديديه دروغبا لم تُنهي الحرب على الفور، إلا أنها كانت نقطة تحول فارقة في المشهد الايفواري. بدأت التوترات تخف بالتدريج، وتمكن الطرفان المتحاربان من الجلوس على طاولة المفاوضات. بعد فترة قصيرة، أعلن دروغبا أن مباراة المنتخب القادمة ستُقام في معقل التمرد مدينة بواكي. كانت المبادرة سابقة، ونجحت هذه المباراة في جمع الإيفواريين من مختلف الأطراف، حيث شارك الجميع في فرحة الفوز وتوحيد صفوف البلاد.

 الأسطورة التي تجاوزت الملاعب 

على الرغم من أن السلام لم يستمر طويلاً، وبالرغم عودة البلاد إلى الصراع بعد عدة سنوات، فإن ما قام به دروغبا وفريقه تجاوز حدود كرة القدم، لقد قدم دروغبا لأبناء بلده الكوت ديفوار لحظة أمل، وأظهر لهم وللعالم أن كرة القدم قادرة على توحيد الناس حتى في أحلك الأوقات. ظل دروغبا رمزًا للتغير والأمل، ليس فقط في عالم كرة القدم، بل في عالم الإنسانية أيضًا. ولما اعتزل في عام 2018، ترك إرثًا خلده التاريخ  كواحد من أعظم اللاعبين الذين جمعوا بين الانسانية والموهبة.

تعليقات